++_ ﮔﺎﻥ الحجاجبن يوسف ذات يوم في الصيد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغير السن عمره نحو عشر سنوات وله ذوائب.
فقال له الحجاج : ماذا تفعل هنا أيها الغلام ؟
فرفع الصبيطرفه إليه وقال له : يا حامل الأخبار لقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتنيبالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.
فقال الحجاجله : أما عرفتني ؟
فقال الغلام : عرفتكبسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.
فقال الحجاج׃ ويلك أنا الحجاجبن يوسف.
فقال الغلام : لا قرب الله داركولا مزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .
فما أتم كلامه إلا والجيوش حلّقتعليه من كل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين ،
فقال الحجاج: احفظوا هذا الغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذواالغلام فرجع الحجاجإلى قصره فجلس في مجلسه والناس حوله جالسون ومنهيبته مطرقون وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلام فلما مثل بين يديه ،ورأىالوزراء و أهل الدولة لم يخشى منهم
بل قال : السلام عليكم فلم يرد الحجاجالسلام فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناءالقصر عالياً ومزين بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.
فقالالغلام : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتمجبارين فاستوى الحجاججالساً وكان متكئاً
فقالوا للغلام : ياقليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب فيحضرته ؟
فقال الغلام : يا براغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريقوطلوع الدرج أما السلام فعلى أمير المؤمنين وأصحابه ، يعني السلام على علىّ بن أبىطالب وأصحابه
فقال الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيهأملك.
فقال الغلام : والله يا حجاج أن كان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامكلا قليل ولا كثير.
فقال بعض الغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطبأمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدبواحترام فهو أمير العراق والشام.
فقال الغلام : أما سمعتم قوله تعالى " كلنفس تجادل عن نفسها"
فقال الحجاج : فمن عنيت بكلامك أيها الغلام ؟
قال : عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاج على من تسلم ؟
فقال الحجاج : على عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقال الحجاج : ولم ذلك يا غلام ؟
فقال : لأنه أخطأخطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالفالطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : يا حجاج أصلحجلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاجلجلسائه بالصمت.
ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟
فقال الغلام : أخوك فرعونحين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.
فقال الحجاج : اضربوا عنقه.
فقال له الرقاشي : هبنيإياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.
فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.
فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.
فقال الرقاشي :أنا أريد خلاصك من الموتفتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلى الحجاجوقال له: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.
فقال الحجاجللغلام : من أي بلد أنت ؟
فقال للغلام: منمصر.
فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .
فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟
قال الحجاج : لأن شرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلهالا عجم ولا عرب.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟
قال الغلام : أنا من أهلخرسان.
فقال الحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.
فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟
فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهمثقيل و غنيهم بخيل.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أين أنت ؟
قال : أنا من مدينة الشام.
قال الحجاج : أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان .
قال الغلام : لستُ منهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : من اليمن.
فقال الحجاج : أنت من بلد غير مشكور.
قال الغلام: ولمذلك؟
قال الحجاج : لأن صوتهم مليح و عاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهميشرب الخمر.
قال الغلام : أنا لستُ منهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : أنا من أهلمكة.
فقال الحجاج : أنت إذن من أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.
فقال الغلام : ولم ذلك ؟
قال : لأنهم قوم بعث فيهم نبي كريم فكذبوهوطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.
فقال الغلام : أنا لستُ منهم.
فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك.
فقال الغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أني أنامن أهل طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الحجاج : نعمت المدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أيقبيلة أنت ؟
فقال الغلام : من ثلى بنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليهالسلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا و نسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاجغيظاً شديداً وأمر بقتله.
فقال له كل منحضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق القتل وهو دون سن البلوغ أيها الأمير.
فقال الحجاج : لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.
فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.
فقال الحجاج : ومن يحول بيني وبين قتلك.
فقال الغلام : يحول بينك وبين قتلي ما يحول بين المرء وقلبه.
فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على قتلك.
فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.
فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبدمن ربه؟
فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .
فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولادالحسن والحسين.
فقال الغلام : من غير خوف ولا جزع أنا من أولاد رسول اللهصلى الله عليهالة وسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.
فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟
قال الغلام : قال الله تعالى " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة"
قال الحجاج : ابن من أنت ؟
قال الغلام : أنا ابن أبي وأمي.
فسأله الحجاج : من أين جئت ؟
قال الغلام : على رحبالأرض.
فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟
فأجاب الغلام : بنو طي .
فسأله الحجاج : ولم ذلك ؟
فقال الغلام: لأن حاتم الأصممنهم.
فقال الحجاج : فمن أشرف العرب ؟
قال الغلام : بنو مضر.
فقال الحجاج : ولم ذلك؟
فقال الغلام : لأن محمد صلىالله عليه وسلم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟
فقال الغلام : بنو هاشملأن علي بن أبي طالب منهم .
فقال الحجاج: فمن أنجس العرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟
فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بنو ثقيفنمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظ الحجاجغيظاً شديداً وأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهمفيه وسكن غضبه قليلاً ؛؛ֵ
وقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟
فقال الغلام : تركتها ترعى أوراق الصوان.
فصاح الحجاجبه قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هلللصوان ورق؟
فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟
فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟
فقال الغلام : هلالقرآن هارب منى حتى أحفظه.
فسأله الحجاج : هل جمعت القرآن ؟
فقال الغلام : وهل هومتفرق حتى أجمعه ؟
فقال له الحجاج : أما فهمت سؤالي .
فأجابه الغلام : ينبغيلك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.
فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟
وآية أعدل ؟ وآية أخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيهاأولاد الأنبياء؟ وآية صدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟وآية فيها قول الملائكة؟ و آية فيها قول أهل الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآيةفيها قول إبليس ؟؟؟
فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي
وأحكمآية إن الله يأمر بالعدل والإحسان
وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرهومن يعمل مثقال ذرة شراً يره
وأخوف آية أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنةنعيم
وأرجى آية قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنالله يغفر الذنوب جميعها
وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماواتوالأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب
وأما الآية التي كذبفيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا على قميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلواالجنة
وأما الآية التي صدق فيها اليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليستالنصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء فصدقوا ودخلوا النار
والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلىالله فل يتوكل المؤمنون
وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم
و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذيأذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنامنها فإن عدنا فإنا ظالمون
وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من ناروخلقته من طين
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ومن هلك بالهواء ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليهالسلام؛؛ والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ؛ وأما الذي هلكبالهواء فهم قوم هود.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب ؟والذي هلك بالخشب ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت من عصاموسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالخشب نوح عليه السلام؛؛ والذي هلك بالخشب زكرياعليه السلام.
فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجا من الماء ؟ومن هلك بالماء ؟
فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدم عليهالسلام؛؛ والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛ والذي هلك بالماء فرعون.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟
فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛ والذي نجا من النار إبراهيم عليهالسلام.
فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟
فقالالغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيزفيها انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربينوأنهار من عسل مصفى... وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجد نظيره فيالدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب .
فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهليوجد مثلهم في الدنيا ؟
فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولايتغوط.
فقال الحجاج : فما أول قطرة من دم؟
فقال الغلام : هيحيض حواء.
فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟
فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرةأقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً في النساء ؛؛والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحداًفي بقية الدنيا؛؛ والحياء عشرة تسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛ والسخاء عشرةتسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛ والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً فيبقية العالم؛؛ والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.
فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟
فقال الغلام : صيام رمضان.
فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟
فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .
فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟
فقال الغلام : الآخرة .
ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيتصبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.
فقال الغلام : أناأهل لذلك.
فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟
فقال الغلام : الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس.
فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟
فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكنيسأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهةللناظرين؛؛ وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بناتوبنين؛؛ وبنت الستين ما بها فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنتالتسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.
فضحك الحجاجوقال:أي النساء أحسن؟
فقال الغلام : ذاتالدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يهتز نهدها ويرتاح ردفها.
فقال له الحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟
فقالالغلام : آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.
أنشد آدم يقول :
بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح
فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح
رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاً أخـــاه *** وألحد في الثرى الوجه الـصبيح
تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيح
تـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـــفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح
أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح
فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح
وأنـــترجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيم بـل ســـميح بــل صبيـــح
ولــــسـتمــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــل الشــقي هو الطريـح
علـــــيه السخــطمن رب البرايا *** و أنت عـــليـــك تسليم صريـــح
فأجابه إبليس يقول :
تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكـــنت بهاوزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـى وقـلـبك مسـتريـــح
خـدعتك في دهائي ثممكري *** إلــــى أن فـــاتـك الــعيــش الرشيح
فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم؟
فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.
حيث يقول:ـــ
وأكرم الضيف حتماحين يطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجبعلينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة
و جارية وسيف وفرس.
وقال الحجاجفي نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلتهفلما قدمها له.
ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.
وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشديقول :ـــ
و قــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً *** أحــــب إلىّ مــماتــغــمـزني
أخـاف إذا وقعــت عــــلى فراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي
أخـــاف إذا وقــعــنا فــي مضـــيـق *** وجار الدهر بي لا تنصريني
أخـــافإذا فـقــدت المــال عــندي *** تــمــيلي للخصام وتهجريني
فأجابته الجاريةتقول :ــ
معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتم سر زوجــي فــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني
إذاعاشـــرتني وعرفت طـــبعي *** ستــعــلم أنـــني خــير القرين
فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.
فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلالفتعطيني الجميع.
فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقالالجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على بابالسلام ولم تدله على باب النقمة والعذاب ؟
فقال الحجاج : إنه استشارني والمستشار مؤتمن...
وخرجالغلام من بين يدي الحجاجسالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسنإطلاعه
فقال له الحجاج : ماذا تفعل هنا أيها الغلام ؟
فرفع الصبيطرفه إليه وقال له : يا حامل الأخبار لقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتنيبالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.
فقال الحجاجله : أما عرفتني ؟
فقال الغلام : عرفتكبسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.
فقال الحجاج׃ ويلك أنا الحجاجبن يوسف.
فقال الغلام : لا قرب الله داركولا مزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .
فما أتم كلامه إلا والجيوش حلّقتعليه من كل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين ،
فقال الحجاج: احفظوا هذا الغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذواالغلام فرجع الحجاجإلى قصره فجلس في مجلسه والناس حوله جالسون ومنهيبته مطرقون وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلام فلما مثل بين يديه ،ورأىالوزراء و أهل الدولة لم يخشى منهم
بل قال : السلام عليكم فلم يرد الحجاجالسلام فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناءالقصر عالياً ومزين بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.
فقالالغلام : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتمجبارين فاستوى الحجاججالساً وكان متكئاً
فقالوا للغلام : ياقليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب فيحضرته ؟
فقال الغلام : يا براغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريقوطلوع الدرج أما السلام فعلى أمير المؤمنين وأصحابه ، يعني السلام على علىّ بن أبىطالب وأصحابه
فقال الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيهأملك.
فقال الغلام : والله يا حجاج أن كان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامكلا قليل ولا كثير.
فقال بعض الغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطبأمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدبواحترام فهو أمير العراق والشام.
فقال الغلام : أما سمعتم قوله تعالى " كلنفس تجادل عن نفسها"
فقال الحجاج : فمن عنيت بكلامك أيها الغلام ؟
قال : عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاج على من تسلم ؟
فقال الحجاج : على عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقال الحجاج : ولم ذلك يا غلام ؟
فقال : لأنه أخطأخطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالفالطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : يا حجاج أصلحجلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاجلجلسائه بالصمت.
ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟
فقال الغلام : أخوك فرعونحين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.
فقال الحجاج : اضربوا عنقه.
فقال له الرقاشي : هبنيإياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.
فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.
فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.
فقال الرقاشي :أنا أريد خلاصك من الموتفتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلى الحجاجوقال له: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.
فقال الحجاجللغلام : من أي بلد أنت ؟
فقال للغلام: منمصر.
فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .
فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟
قال الحجاج : لأن شرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلهالا عجم ولا عرب.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟
قال الغلام : أنا من أهلخرسان.
فقال الحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.
فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟
فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهمثقيل و غنيهم بخيل.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أين أنت ؟
قال : أنا من مدينة الشام.
قال الحجاج : أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان .
قال الغلام : لستُ منهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : من اليمن.
فقال الحجاج : أنت من بلد غير مشكور.
قال الغلام: ولمذلك؟
قال الحجاج : لأن صوتهم مليح و عاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهميشرب الخمر.
قال الغلام : أنا لستُ منهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : أنا من أهلمكة.
فقال الحجاج : أنت إذن من أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.
فقال الغلام : ولم ذلك ؟
قال : لأنهم قوم بعث فيهم نبي كريم فكذبوهوطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.
فقال الغلام : أنا لستُ منهم.
فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك.
فقال الغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أني أنامن أهل طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الحجاج : نعمت المدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أيقبيلة أنت ؟
فقال الغلام : من ثلى بنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليهالسلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا و نسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاجغيظاً شديداً وأمر بقتله.
فقال له كل منحضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق القتل وهو دون سن البلوغ أيها الأمير.
فقال الحجاج : لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.
فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.
فقال الحجاج : ومن يحول بيني وبين قتلك.
فقال الغلام : يحول بينك وبين قتلي ما يحول بين المرء وقلبه.
فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على قتلك.
فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.
فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبدمن ربه؟
فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .
فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولادالحسن والحسين.
فقال الغلام : من غير خوف ولا جزع أنا من أولاد رسول اللهصلى الله عليهالة وسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.
فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟
قال الغلام : قال الله تعالى " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة"
قال الحجاج : ابن من أنت ؟
قال الغلام : أنا ابن أبي وأمي.
فسأله الحجاج : من أين جئت ؟
قال الغلام : على رحبالأرض.
فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟
فأجاب الغلام : بنو طي .
فسأله الحجاج : ولم ذلك ؟
فقال الغلام: لأن حاتم الأصممنهم.
فقال الحجاج : فمن أشرف العرب ؟
قال الغلام : بنو مضر.
فقال الحجاج : ولم ذلك؟
فقال الغلام : لأن محمد صلىالله عليه وسلم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟
فقال الغلام : بنو هاشملأن علي بن أبي طالب منهم .
فقال الحجاج: فمن أنجس العرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟
فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بنو ثقيفنمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظ الحجاجغيظاً شديداً وأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهمفيه وسكن غضبه قليلاً ؛؛ֵ
وقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟
فقال الغلام : تركتها ترعى أوراق الصوان.
فصاح الحجاجبه قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هلللصوان ورق؟
فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟
فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟
فقال الغلام : هلالقرآن هارب منى حتى أحفظه.
فسأله الحجاج : هل جمعت القرآن ؟
فقال الغلام : وهل هومتفرق حتى أجمعه ؟
فقال له الحجاج : أما فهمت سؤالي .
فأجابه الغلام : ينبغيلك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.
فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟
وآية أعدل ؟ وآية أخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيهاأولاد الأنبياء؟ وآية صدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟وآية فيها قول الملائكة؟ و آية فيها قول أهل الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآيةفيها قول إبليس ؟؟؟
فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي
وأحكمآية إن الله يأمر بالعدل والإحسان
وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرهومن يعمل مثقال ذرة شراً يره
وأخوف آية أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنةنعيم
وأرجى آية قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنالله يغفر الذنوب جميعها
وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماواتوالأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب
وأما الآية التي كذبفيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا على قميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلواالجنة
وأما الآية التي صدق فيها اليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليستالنصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء فصدقوا ودخلوا النار
والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلىالله فل يتوكل المؤمنون
وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم
و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذيأذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنامنها فإن عدنا فإنا ظالمون
وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من ناروخلقته من طين
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ومن هلك بالهواء ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليهالسلام؛؛ والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ؛ وأما الذي هلكبالهواء فهم قوم هود.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب ؟والذي هلك بالخشب ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت من عصاموسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالخشب نوح عليه السلام؛؛ والذي هلك بالخشب زكرياعليه السلام.
فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجا من الماء ؟ومن هلك بالماء ؟
فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدم عليهالسلام؛؛ والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛ والذي هلك بالماء فرعون.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟
فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛ والذي نجا من النار إبراهيم عليهالسلام.
فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟
فقالالغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيزفيها انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربينوأنهار من عسل مصفى... وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجد نظيره فيالدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب .
فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهليوجد مثلهم في الدنيا ؟
فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولايتغوط.
فقال الحجاج : فما أول قطرة من دم؟
فقال الغلام : هيحيض حواء.
فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟
فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرةأقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً في النساء ؛؛والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحداًفي بقية الدنيا؛؛ والحياء عشرة تسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛ والسخاء عشرةتسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛ والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً فيبقية العالم؛؛ والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.
فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟
فقال الغلام : صيام رمضان.
فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟
فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .
فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟
فقال الغلام : الآخرة .
ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيتصبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.
فقال الغلام : أناأهل لذلك.
فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟
فقال الغلام : الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس.
فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟
فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكنيسأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهةللناظرين؛؛ وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بناتوبنين؛؛ وبنت الستين ما بها فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنتالتسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.
فضحك الحجاجوقال:أي النساء أحسن؟
فقال الغلام : ذاتالدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يهتز نهدها ويرتاح ردفها.
فقال له الحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟
فقالالغلام : آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.
أنشد آدم يقول :
بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح
فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح
رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاً أخـــاه *** وألحد في الثرى الوجه الـصبيح
تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيح
تـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـــفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح
أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح
فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح
وأنـــترجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيم بـل ســـميح بــل صبيـــح
ولــــسـتمــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــل الشــقي هو الطريـح
علـــــيه السخــطمن رب البرايا *** و أنت عـــليـــك تسليم صريـــح
فأجابه إبليس يقول :
تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكـــنت بهاوزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـى وقـلـبك مسـتريـــح
خـدعتك في دهائي ثممكري *** إلــــى أن فـــاتـك الــعيــش الرشيح
فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم؟
فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.
حيث يقول:ـــ
وأكرم الضيف حتماحين يطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجبعلينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة
و جارية وسيف وفرس.
وقال الحجاجفي نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلتهفلما قدمها له.
ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.
وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشديقول :ـــ
و قــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً *** أحــــب إلىّ مــماتــغــمـزني
أخـاف إذا وقعــت عــــلى فراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي
أخـــاف إذا وقــعــنا فــي مضـــيـق *** وجار الدهر بي لا تنصريني
أخـــافإذا فـقــدت المــال عــندي *** تــمــيلي للخصام وتهجريني
فأجابته الجاريةتقول :ــ
معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتم سر زوجــي فــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني
إذاعاشـــرتني وعرفت طـــبعي *** ستــعــلم أنـــني خــير القرين
فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.
فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلالفتعطيني الجميع.
فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقالالجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على بابالسلام ولم تدله على باب النقمة والعذاب ؟
فقال الحجاج : إنه استشارني والمستشار مؤتمن...
وخرجالغلام من بين يدي الحجاجسالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسنإطلاعه
» منتدي شباب ابو قرووون
» اثر المسلسلات التركية
» الامثال السودانيه
» عااااااااااااااجل ومهم سقوط طائره اخرى
» ﺻﻪ ﺍﻳﻬﺎ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺤﺰﻳﻦﻭﻛﻔﻜﻒ ﺩﻣﻮﻋﻚ ﻭﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦﺍﻟﻨﺤﻴﺐ
» رثاء لشهدا طائره تلودي
» المادح محمد خالد شيخ العرب
» صل ياسلام المادح محمد خالد شيخ العرب
» نزار قباني!!!!!!!